■ إنجاز/عبدالهادي بودى
في أعقاب كل تعثر للمنتخب الوطني، تسارع بعض القراءات إلى توصيف الغضب الجماهيري باعتباره “هستيريا عابرة” أو نتاج توظيف سياسي لكرة القدم. غير أن هذا الطرح، رغم ما يبدو عليه من عمق نظري، يتجاهل حقيقة أساسية: الجمهور المغربي جمهور كرويّ بالفطرة، شغوف باللعبة، راق في سلوكه، ومعتاد على دعم منتخبه دون شروط، لكنه في المقابل لا يقبل العبث بطموحاته.
●جمهور يعشق الكرة… ويعشق التألق
المغاربة ليسوا جمهور مناسبات، ولا جمهور نتائج ظرفية. هم من أكثر الجماهير شغفا بكرة القدم في المنطقة، ومن أحسنها خلقا وتنظيما وحضورا في المدرجات داخل الوطن وخارجه جمهور يحمل معه قضايا الشعب المغربي وقضايا القضية الفلسطينية . هذا الجمهور نفسه هو من صبر لعقود على الإخفاقات، وساند المنتخب في أحلك الظروف، واحتفل بالإنجازات دون انزلاق إلى العنف أو الفوضى.
لذلك، فإن سخطه اليوم لا يصدر عن نزوة، بل عن حب حقيقي لكرة القدم ورغبة صادقة في رؤية منتخب يعكس مكانته القارية والدولية.
●كرة القدم عقد اجتماعي لا لعبة لاتضيع الوقت
الاستثمار المالي الضخم الذي ضخه المغرب في كرة القدم حولها من مجرد لعبة إلى مشروع وطني ذي رمزية سياسية واجتماعية. ومع هذا التحول، نشأ عقد غير مكتوب بين الجمهور والمؤسسات الرياضية:
دعم مطلق، مقابل أداء مقنع ونتائج مشرفة.
حين يختل هذا التوازن، يصبح النقد ليس فقط حقا، بل واجبا جماهيريا.
●إنجازات الأمس ترفع سقف اليوم
مونديال قطر لم يكن صدفة خالصة كما يروج، بل محطة رفعت سقف الطموح ورسخت قناعة جماعية بأن المغرب قادر على المنافسة لا المشاركة فقط. ومن الطبيعي أن يتحول هذا الإنجاز إلى مرجعية للمقارنة، باعتراف مدربين ولاعبين كبار من كل أنحاء العالم .لا إلى شهادة إعفاء دائمة. الجمهور لا يطلب المعجزات، بل الاستمرارية، والهوية، واستثمار ترسانة من اللاعبين المحترفين بما يليق بقيمتهم.
● ماذا يقول الجمهور فعلا؟
الانتقادات المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، في جزء كبير منها، تتسم بالوضوح والموضوعية، وتتمحور حول:
1.غياب هوية لعب مستقرة.
2.اختيارات تقنية غير مفهومة.
3.ضعف التفاعل التكتيكي أثناء المباريات.
4.تراجع الروح الجماعية التي كانت عنوانًا للمنتخب.
هذا ليس صراخا غوغائيا كما يحلو للبعض أن يدعيه ، بل تشخيصا متكررا لخلل واحد بصيغ متعددة.
● إسقاط القراءة السياسية: تبسيط مخلّ
صحيح أن كرة القدم قد تستعمل سياسيا، لكن اختزال غضب جمهور كروي عاشق في “أداة تخدير” يسيء لوعي المغاربة. فالجمهور نفسه الذي يهتف في المدرجات، هو ذاته الذي يناقش السياسات العمومية في فضاءات أخرى. حب الكرة لا يعني غياب الوعي، بل قد يكون أحد تجلياته.
●النقد ليس كراهية… بل حب مشروط بالمسؤولية
الجمهور المغربي لا يعادي المدربين، بل يقدّر من ينجز ويحاسب من يُقصّر. وهو جمهور، بحكم ثقافته الكروية، يحب التألق والنتائج المشرفة، ولا يرضى بالعودة إلى منطق التبرير أو الاحتماء بالأمجاد السابقة.
●خلاصة
سخط الجمهور المغربي على وليد الركراكي ليس زبدا ولا هستيريا، بل تعبير عن وعي كروي متجذر، وحب صادق للمنتخب، ورغبة في أن يظل المغرب في مستوى ما راكمه من إنجازات.
هو غضب نابع من الشغف، لا من الكراهية، ومن الطموح، لا من الجهل، ومن ثقافة محاسبة بدأت تتشكل، لا من قابلية للتوجيه.
